Category: الاستراتيجية والأداء

كيف يمكن صياغة قرارات استراتيجية في ندرة البيانات؟

تُعَدّ قلة البيانات حول ما يحمله المستقبل من تحديات وفرص أحد أكبر العقبات التي تواجه القادة أثناء التخطيط لنمو شركاتهم. في مثل هذه الظروف، يمكن للقادة اتباع ثلاث استراتيجيات للحصول على رؤى ثاقبة: دراسة العملاء والشركات الناشئة لاكتشاف علامات التغيير، تجربة التقنية الجديدة بدلاً من مجرد القراءة عنها، وممارسة “التفكير الترابطي” الذي يتضمن ربط مفهومين مختلفين ظاهرياً للوصول إلى فكرة مبتكرة.

تحديد اتجاه استراتيجي في وسط حالة عدم اليقين ليس بالأمر السهل. واحدة من المشكلات المستمرة هي أن البيانات اللازمة لتبرير مسار العمل لا تصبح واضحة إلا بعد فوات الأوان، هذه المشكلة، التي يمكن تسميتها مفارقة المعلومات والفعل، تتطلب حلاً غير تقليدي، ففي هذه الحالة يجب على القادة اتخاذ قرارات حتى عندما تشير البيانات إلى عكس ذلك.

لا يعني ذلك أن على القائد تجاهل البيانات، بل يجب عليه أن يدرك حدود البيانات التي يستخدمها عادةً في اتخاذ قرارات استثمارية استراتيجية، مثل حجم السوق ومعدلات النمو والحصة السوقية وهوامش الربح؛ فهذه البيانات تشرح ما تحقق بالفعل وليست تنبؤاً بما قد يحدث.

لا يمكن الاعتماد على التخمين أو الحدس البحت في عملية صنع الاستراتيجية، بل يجب على القائد البحث بطرق مدروسة عن رؤى جديدة تساعده على فهم الأمور وتحديد المسار وسط حالة عدم اليقين؛ هذا المقال يشرح ثلاث طرق لتحقيق ذلك.

1-  ابحث عن إشارات تحذير مبكرة للتغيير

أحد أسس برنامج التغيير الذي أطلقه ساتيا ناديلا في مايكروسوفت كان الانتقال من التركيز على المؤشرات المتأخرة مثل الإيرادات، إلى المؤشرات الرئيسية مثل صافي نقاط الترويج. فالمؤشرات المتأخرة تعكس قرارات اتُخذت في الماضي، بينما تشير المؤشرات الرئيسية إلى فرص أو تحديات مستقبلية.

بالإضافة إلى تحديد المؤشرات الرئيسية على لوحات المتابعة، يجب على المسؤولين التنفيذيين البحث عن إشارات تحذير مبكرة للتغيير في موقعين رئيسيين.

الموقع الأول هو العملاء؛ يجب عليك فهم كيفية تفكير العملاء الحاليين في الحلول الناشئة، والتركيز على الأخطاء الوشيكة؛ أي عندما يفكر العملاء في بدائل ولكنهم يرفضونها في النهاية. هذا التحليل ساعد الذراع الأسترالية لشركة كينغ آند وود ماليسونز (King & Wood Mallesons) القانونية على ملاحظة أن العملاء بدأوا يأخذون مزودي التقنية القانونية الجدد بجدية، مما دفع الشركة لتطوير قدراتها التقنية قبل أن يظهر ذلك في البيانات التقليدية.

يجب أن يقضي المسؤولون التنفيذيون وقتًا مع مجموعة متنوعة من العملاء، تشمل العملاء المخلصين التقليديين والعملاء الذين انتقلوا إلى حلول أخرى وأولئك الذين يواجهون تحديات كبيرة. على سبيل المثال، قامت إحدى شركات المشروبات بدراسة كيفية تصرف الجنود في درجات الحرارة الشديدة لاكتشاف حلول مبتكرة يمكن تطبيقها مثل إضافة أقراص مغذية إلى الماء أو تطوير تغليف جديد يحافظ على برودة المشروبات لفترات أطول.

الموقع الثاني هو الشركات الناشئة في نفس القطاع؛ يجب أن يكون المسؤولون التنفيذيون على دراية وثيقة بنشاط هذه الشركات. بالرغم من أن معظم الشركات الناشئة قد تفشل، إلا أن الانتباه للتغييرات المهمة يمكن اكتشافه مبكرًا. على سبيل المثال، عندما استثمرت مايكروسوفت في شركة أوبن أيه آي، كانت قادرة على متابعة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي عن كثب. لذلك، عليك تجاوز الشركات الناشئة المشهورة والبحث في الشركات التي لا تزال في وضع التخفي، أو زيارة مختبر جامعي لاكتشاف تقنيات المستقبل، مما يعزز حدسك في تحديد مسارك خلال حالة عدم اليقين.

2-   جَرّب المستقبل من اليوم

يقول كاتب الخيال العلمي ويليام غيبسون: “لقد وصل المستقبل بالفعل، لكنه لم يصل إلى الجميع بالتساوي”. لتجربة المستقبل اليوم، عليك اكتساب خبرة عملية في التقنيات الناشئة. في أحد المقررات التي في كلية تاك للأعمال (Tuck School of Business) التابعة لجامعة دارتموث  (Dartmouth College)، طلبت من الطلاب كتابة “تقرير من المستقبل”. يبدأ التقرير بتجربة بعض التقنيةت الناشئة مثل المركبات الذاتية القيادة أو العملات المشفرة أو التشخيص بالحمض النووي أو الرياضات الإلكترونية أو الطباعة الثلاثية الأبعاد، ثم التفكير في أكثر ما أدهشهم، وتخيل التطورات التي ستطرأ على هذه التقنية بعد 10 سنوات وأثرها على المؤسسات الحالية وفرص الشركات الناشئة. دائماً ما يُظهر هذا النشاط أن تجربة التقنية توفر معرفة أعمق بكثير من مجرد القراءة عنها.

3-   مارس التفكير الترابطي

منذ نحو 15 عاماً، قاد هال غريغرسن من معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) وجيف داير من جامعة بريغام يونغ (Brigham Young University) دراسة مهمة لتحديد سمات المبتكر الناجح. ومن النتائج الرئيسية التي توصلا إليها ولخصاها في كتاب “جينات المبتكر” (The Innovator’s DNA) (الذي شارك في تأليفه كلايتون كريستنسن)، أن المبتكر متفوق فيما يسمى “التفكير الترابطي”؛ أي أنه يربط بين مفهومين متباينين ظاهرياً ليبلور منهما فكرة جديدة. التفكير الترابطي هو أساس نجاح صناعة السينما في هوليوود، في كتاب صُنعت لتبقى” (Made to Stick)، يصف المؤلفان تشيب ودان هيث “خطاب هوليوود الترويجي” الذي يتضمن ركيزةً مألوفة ومنعطفاً مفاجئاً غير مسبوق؛ فعلى سبيل المثال روّج لفيلم سبيد” (Speed)  (إنتاج 1994) بأنه مثل فيلم “داي هارد” (Die Hard) ولكن على متن حافلة. هنا، فيلم داي هارد” هو الركيزة المألوفة لأنه كان ذائع الصيت، فجذب الاهتمام؛ أما “على متن حافلة” فهو الانعطاف المختلف، ونجح في إثارة فضول المستمعين.

خاتمة

في ظل ندرة البيانات حول ما يحمله المستقبل من تحديات وفرص، يواجه القادة صعوبة كبيرة في صياغة قرارات استراتيجية لنمو شركاتهم. ومع ذلك، يمكن تبني ثلاث استراتيجيات للحصول على رؤى ثاقبة تساعد على تجاوز حالة عدم اليقين:

1.    البحث عن إشارات تحذير مبكرة للتغيير: بدلاً من الاعتماد فقط على المؤشرات المتأخرة مثل الإيرادات، ينبغي للقادة التركيز على المؤشرات الرئيسية مثل صافي نقاط الترويج. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المسؤولين التنفيذيين قضاء وقت مع العملاء والشركات الناشئة لفهم الاتجاهات والتغيرات المستقبلية.

2.    تجربة المستقبل من اليوم: على القادة اكتساب خبرة عملية في التقنيات الناشئة بدلاً من الاكتفاء بقراءة عنها. هذه التجربة العملية توفر معرفة أعمق تساعد على استشراف المستقبل وفهم تأثير التقنيات الجديدة على المؤسسات الحالية وفرص الشركات الناشئة.

3.    ممارسة التفكير الترابطي: ربط بين مفاهيم مختلفة ظاهرياً للوصول إلى أفكار مبتكرة. هذا النوع من التفكير هو سمة رئيسية للمبتكرين الناجحين ويمكن أن يساعد القادة على بلورة استراتيجيات جديدة في ظل حالة عدم اليقين.

 

من خلال اتباع هذه الاستراتيجيات، يمكن للقادة اتخاذ قرارات مستنيرة تساعد على قيادة شركاتهم نحو النمو والابتكار، حتى في ظل ظروف عدم اليقين ونقص البيانات التقليدية.

Read More
PSC Team July 16, 2024 0 Comments

ما هي الحلقة المفقودة بين الاستراتيجية والابتكار في الشركات؟

تدرك الشركات الراسخة أن الابتكار ضروري لتحقيق النمو في العصر الرقمي، لذلك أنشأت في السنوات الأخيرة مختبرات للابتكار ومسرّعات الأعمال وماراثونات البرمجة (هاكاثون) وبرامج الابتكار المفتوحة بهدف تجاوز أعمالها الأساسية واستكشاف الأفكار المزعزعة والتجريب والتكرار.

مع ذلك، لا تسفر غالبية هذه الجهود عن نتائج تُذكر؛ وغالباً ما تتفوق الشركات الناشئة على فرق الشركات الكبرى، وتُغلق مختبرات الابتكار إذا فشلت في تحقيق النمو على نطاق يعود على الشركة بالفائدة.

لماذا يتكرر ذلك؟ وما الذي يمكن فعله لتحسين الوضع؟ بناءً على بحث تم عمله في مجال الاستراتيجية الرقمية وتقديم المشورة لعشرات الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 500، وجد الباحثون أن السبب الجذري لهذا الفشل هو الانفصال بين الاستراتيجية والابتكار.

يجب ألا يبدأ الابتكار في الشركات بوضع أفكار مثالية أو غير واقعية ثم المضي بتنفيذها بأسلوب الشركة الناشئة المستقلة، بل على الشركات أن تتعلم ربط كل جهد ابتكاري بركيزتين من ركائز الاستراتيجية: مجموعة واضحة من أولويات النمو، وفهم واضح لما يميز الشركة عن منافساتها.

من خلال ربط الابتكار بالاستراتيجية في كل مرحلة، بدءاً من الموافقة المبدئية وصولاً إلى التوسع، يمكن للشركات الراسخة الاستفادة من مواطن قوتها لخلق ابتكارات تحفز نمو الأرباح.

حدد أولوياتك الاستراتيجية

السؤال الاستراتيجي الأول الذي يجب أن يكون محور أي جهد ابتكاري للشركة هو: ما الأولويات الاستراتيجية الأهم لشركتنا؟ في كتاب “الخطة التوجيهية للتحول الرقمي” (The Digital Transformation Roadmap)  نجد أن هناك منظورَين لتحديد الأولويات الاستراتيجية: المشكلات والفرص.

يعتمد منظور المشكلات على الفكر السائد بين رواد الأعمال في وادي السيليكون بأن تصبح “مفتوناً بالمشكلة” التي تسعى إلى حلها وليس بالحل الذي تتوقع أن يعالجها؛ يمكن أن تكون هذه المشكلة متعلقة بالعميل (على سبيل المثال، صعوبة في تقديم طلب أو في تخصيص منتج ما)، أو مشكلة تتعلق بالشركة ويجب حلها (على سبيل المثال، استنزاف العملاء بنسب عالية، أو صعوبة التنبؤ بالطلب، أو عدم الدقة في تنفيذ الطلبات).

إحدى الشركات التي تتبع هذا النهج هي وول مارت، حيث تم إجراء مقابلات مع كبار مسؤوليها التنفيذيين على مدار عدة سنوات حول استراتيجية الشركة وعملية الابتكار وتحويل العمل. وحددت الشركة مشكلة العملاء الرئيسية التي تجب معالجتها في طلب البقالة عبر الإنترنت، وهي فئة مهمة لأعمال وول مارت كانت تجربة العملاء فيها أقل من مرضية.

يوفر منظور الفرصة طريقة أخرى لتحديد أولوية النمو الاستراتيجي؛ قد تكون هذه الأولوية فرصة للشركة تتيح لها توسيع أعمالها إلى سوق جديدة أو قطاع جديد (مثل قرار أمازون الخوض في الحوسبة السحابية، الذي أدى في النهاية إلى إطلاق خدمة أمازون ويب سيرفيسز)، أو فرصة لمفاجأة العميل بميزة أو مكافأة غير متوقعة.

على سبيل المثال، حددت وول مارت فرصة تتيح للعملاء التسوق من خلال إرسال رسالة نصية إلى مساعد افتراضي (سيساعد في البحث عن المنتجات واقتراح الخيارات ثم طلب أفضل منتج)، وكان الهدف منها تحسين تجربة التسوق التي يخوضها العميل وتشجيعه على تطوير عادات تسوق جديدة والاستغناء عن خدمة أمازون برايم المنافسة.

يمكن تسمية أي مشكلة أو فرصة هدفاً استراتيجياً للنمو إذا كانت مهمة بما فيه الكفاية لشركتك، يكمن السر في اختيار المشكلة والفرصة الأهم لنشاطك التجاري وعملائك.

حدد مزاياك الفريدة

السؤال الاستراتيجي الثاني الذي يجب أن يكون محور أي جهد ابتكاري للشركة هو: ما المزايا الفريدة التي تتمتع بها شركتنا مقارنة بمنافسيها؟ يمكن أن تتمثل هذه المزايا في الأصول المادية أو البيانات، أو الآثار المترتبة على وجود الشبكات، أو الملكية الفكرية أو سمعة العلامة التجارية، أو غيرها من مواطن القوة التي تميز أعمالك وتضيف قيمة إلى منتجاتك وتمنحك ميزة تنافسية. على سبيل المثال، تتمتع شركة ديزني بميزة فريدة تتمثل في قصصها وشخصياتها الأيقونية التي تستثمرها في نماذج أعمال مختلفة، مثل الأفلام وخدمات البث المباشر عبر الإنترنت والمتنزهات الترفيهية والبضائع.

ستساعدك الاستفادة من مواطن القوة الحالية على تعزيز القدرة التنافسية لمشاريعك الجديدة وتمنحك القدرة على التفوق على الشركات الأخرى التي تقدم ابتكارات مماثلة إلى السوق. لكي تُحدث الميزة أثراً حقيقياً، يجب أن تكون فريدة من نوعها (متفوقة موضوعياً على ميزات غالبية الشركات المماثلة) واستراتيجية (توفر فائدة واضحة عند التنافس مع الشركات الأخرى).

إحدى مزايا وول مارت الفريدة هي قرب متاجرها من مواقع المستهلكين النهائيين، حيث يعيش 90% من سكان الولايات المتحدة في نطاق 16 كيلومتراً من أحد متاجرها. تستكشف الشركة نماذج الأعمال الرقمية التي تستفيد من هذا القرب المادي، وهي تتراوح بين مراكز تلبية الطلبات الصغيرة التي تدعم قسم التجارة الإلكترونية لديها وشبكات الإعلانات الرقمية المرتبطة بشاشات العرض داخل المتاجر.

إن التعرف على مزايا شركتك الفريدة بالغ الأهمية خصوصاً بالنسبة إلى الشركة الراسخة التي تسعى إلى الابتكار خارج نطاق أعمالها الأساسية. كيف قررت شركة علي بابا  (Alibaba)، وهي شركة تجارة للتجزئة عبر الإنترنت، التوسع إلى مجال المدفوعات الرقمية؟ وفقاً لمسؤول تنفيذي كبير في قسم الشؤون المالية، بدأت الشركة بمعالجة مشكلة يواجهها العملاء تمثلت في حاجتهم إلى طرق للدفع فيما بينهم ضمن سوقها. لكن كانت لدى علي بابا أيضاً قدرة فريدة على حل هذه المشكلة بفضل قاعدة عملائها الكبيرة وبيانات مستخدميها الغنية.

دمج الاستراتيجية في عملية الابتكار

يكمن سر النجاح في ربط الاستراتيجية بالابتكار في دمج هذين المبدأين الاستراتيجيين في كل مرحلة من مراحل مبادرات الابتكار في شركتك، وهذا يشمل مختبرات الابتكار ومسرعات الأعمال وماراثونات البرمجة بالإضافة إلى مشاريع الابتكار ضمن الأعمال الأساسية نفسها. وكي يكون هذا الدمج فعالاً تجب إعادة تصور الابتكار المؤسسي عبر 5 خطوات:

  1. وضع استراتيجية على مختلف المستويات.

تتمثل الخطوة الأولى في تشكيل فريق متعدد الوظائف على مستوى المناصب التنفيذية العليا، يضم ممثلين من مختلف الأقسام يعمل على تقييم المزايا الفريدة لشركتك بعناية ثم يحدد مجموعة من الأولويات الاستراتيجية لسنة إلى 3 سنوات مقبلة استناداً إلى مزايا الشركة والمشهد التنافسي الذي تعمل فيه ورؤيتها العميقة لاحتياجات العملاء.

بمجرد وضع الاستراتيجية على مستوى المؤسسة، تجب على قيادة كل وحدة عمل وكل قسم (مثل التسويق وسلسلة التوريد وما إلى ذلك) ترجمة هذه الاستراتيجية العامة إلى استراتيجية خاصة بكل مستوى من مستويات العمل.

وتجب مراجعة الاستراتيجية بانتظام (أوصي بمراجعة فصلية موجزة، ومراجعة سنوية أعمق) لتحديث الأولويات أو التكيف مع التغيرات في الميزة التنافسية.

  1. شارك استراتيجيتك مع الموظفين جميعهم.

تتمثل الخطوة التالية في مشاركة هذه الاستراتيجية مع الموظفين في أنحاء المؤسسة كلها، سواء الموظفين في الأدوار الابتكارية أو الذين يسعون إلى الابتكار ضمن العمل المعتاد لوظائفهم أو خط أعمالهم. تجب الاستفادة من المنتديات الافتراضية وورش وضع الاستراتيجية وقنوات الاتصال المتاحة جميعها لضمان أن يكون الجميع على دراية بالمشكلات التي تهدف الشركة إلى حلها والمزايا الفريدة التي تأمل الاستفادة منها.

  1. إعطاء الضوء الأخضر للمشاريع بناءً على الملاءمة الاستراتيجية.

كلما اقتُرحت فكرة ابتكار ما، سواء في مسرّعة أعمال شركة ناشئة أو فريق تسويق إقليمي، يجب أن تتضمن بياناً واضحاً للمشكلة: “ما المشكلة التي نعمل على حلها ولصالح من؟” يجب بعد ذلك تقييم كل ابتكار مقترح من حيث الملاءمة الاستراتيجية.

لا يكفي أن يقترح مختبرك “فكرة رائعة” لابتكار “مزعزع” حيث “نرى سوقاً كلية متاحة يمكن معالجتها”، بل يجب أن يلبي كل مشروع جديد مقترح معيارين أساسيين: هل يرتبط بأولوية استراتيجية؟ وهل من المحتمل أن يستفيد من إحدى مزايانا الفريدة؟ تجب الموافقة فقط على الابتكارات التي تتماشى مع جدول أعمال الاستراتيجية، ويتضمن ذلك منحها التمويل الأولي أو إضافتها إلى قائمة المشاريع التي ستخضع للتجربة لاحقاً.

  1. التحقق بسرعة من صحة الأفكار من خلال التجريب.

بالنسبة للأفكار التي حصلت على الموافقة، تتمثل الخطوة التالية في تحديد الفرضيات الرئيسية لنموذج العمل وإجراء تجارب سريعة وفعالة من حيث التكلفة للتحقق من صحتها. مَن العميل المثالي؟ ما طبيعة تجربته مع المشكلة التي تحاول حلها؟ هل سيحفز الحل الذي تقدمه تبنّي الابتكار؟ هل يمكنك توسيع نطاقه؟ هل لديك أي ميزة تنافسية؟ هل يمكنك استرداد القيمة وتحقيق الأرباح؟

عندما حوّلت وول مارت تركيزها إلى البقالة عبر الإنترنت، بدأت برامج تجريبية لأساليب مختلفة لمعالجة المشكلة نفسها، واستنتجت أن بعض نماذج التسليم كانت أكثر قابلية للتوسيع مقارنة بغيرها. كما اكتشفت أن العملاء يفضلون دفع رسوم سنوية مقابل الخدمة بدلاً من دفع الرسوم على كل عملية تسليم، وأن السعر كان عاملاً حاسماً في قرار العميل بتبنّي الابتكار.

  1. توسيع نطاق المشاريع الابتكارية القليلة التي تثبت نجاحها وإنهاء الغالبية التي لا تنجح بسرعة.

يجب أن يُبنى تمويل الابتكارات الجديدة على نموذج تكراري أيضاً، إذ يجب على كل فريق حصل على الموافقة على فكرته أن يعود في غضون 90 يوماً مع بيانات حول استجابة السوق وطلب المزيد من التمويل لمواصلة تطوير الفكرة.

أثبت ابتكار وول مارت الذي يتيح للعملاء التسوق عن طريق الرسائل النصية، المُسمى “جيت بلاك” (Jet Black)، ملاءمته للسوق في وقت مبكر؛ إذ أحب العملاء التجربة وبدؤوا بالاستغناء عن الطلب من أمازون. ولكن بعد إجراء المزيد من الاختبارات، لم تجد وول مارت أي طريقة قابلة للتطبيق لتقديم خدمة مربحة وقابلة للتوسيع، فأوقفت خدمة جيت بلاك المبتكرة وشاركت الدروس المستفادة من هذا المشروع داخل المؤسسة.

أوقفت وول مارت أيضاً العديد من البرامج التجريبية في مجال البقالة أيضاً، ولكن أثبت عدد قليل منها نجاحاً كبيراً في السوق، إذ طُرحت في نهاية المطاف بصفتها خدمة اشتراك دُعيت “وول مارت+” (Walmart+) وعرض “اشترِ عبر الإنترنت وتسلّم من المتجر” المُسمى “بيك أب توداي” (Pickup Today). تواصل وول مارت تجربة أساليب جديدة لإعادة ابتكار تجربة البقالة عبر الإنترنت، مثل “وول مارت إن هوم” (Walmart InHome)، لتلبية احتياجات العملاء المتغيرة.

الابتكار الذي يحقق النتائج

لا تتوافر طريقة مؤكدة للتنبؤ بالأفكار المبتكرة التي ستحقق النجاح، تماماً مثل شركات رأس المال المغامر التي تستثمر في الشركات الناشئة، لن تعرف مسبّقاً أي المشاريع الجديدة ستنجح، لهذا السبب يعتمد الابتكار على الاستثمار في المحافظ الاستثمارية والتجريب والتمويل التكراري. ولكن هناك عنصر أساسي إضافي بالنسبة للابتكار في الشركات: يجب أن يبدأ كل مشروع من فكرة تتوافق مع مواطن قوة الشركة الأم واستراتيجيتها.

نلاحظ في العديد من الشركات أن فريق الابتكار يتمتع بحرية متابعة جدول أعماله الخاص وغالباً ما يعمل كما لو كان كياناً منفصلاً عن بقية الشركة، والنتيجة دائماً مخيبة للآمال: وفرة من الأفكار الإبداعية، ولكن الفشل في تحقيق نمو ذي قيمة. المشكلة الأساسية هي الانفصال بين الاستراتيجية وجهود الابتكار.

لكي ينجح الابتكار المؤسسي، يجب أن يلتزم بمجموعة واضحة من الأولويات الاستراتيجية المهمة للشركة. ويجب أن يستفيد من مواطن قوة الشركة التي ستمكّنها من التفوق على الشركات الأخرى التي تحاول تنفيذ الفكرة نفسها، سواء كانت قوتها في البيانات أو العلاقات مع العملاء أو سلاسل التوريد.

يمكن لأي شركة استخدام نهج الخطوات الخمس لربط عملية وضع الاستراتيجية بعملية الابتكار، بدءاً من الموافقة مروراً بوضع معايير الابتكار وانتهاءً بتخصيص الموارد. من خلال ذلك، يمكن لأي شركة راسخة الاستفادة من مواطن قوتها لتحقيق نمو ذي قيمة على نطاق واسع.

Read More
PSC Team May 14, 2024 0 Comments