كيف يمكن صياغة قرارات استراتيجية في ندرة البيانات؟

PSC Team July 16, 2024 0 Comments

تُعَدّ قلة البيانات حول ما يحمله المستقبل من تحديات وفرص أحد أكبر العقبات التي تواجه القادة أثناء التخطيط لنمو شركاتهم. في مثل هذه الظروف، يمكن للقادة اتباع ثلاث استراتيجيات للحصول على رؤى ثاقبة: دراسة العملاء والشركات الناشئة لاكتشاف علامات التغيير، تجربة التقنية الجديدة بدلاً من مجرد القراءة عنها، وممارسة “التفكير الترابطي” الذي يتضمن ربط مفهومين مختلفين ظاهرياً للوصول إلى فكرة مبتكرة.

تحديد اتجاه استراتيجي في وسط حالة عدم اليقين ليس بالأمر السهل. واحدة من المشكلات المستمرة هي أن البيانات اللازمة لتبرير مسار العمل لا تصبح واضحة إلا بعد فوات الأوان، هذه المشكلة، التي يمكن تسميتها مفارقة المعلومات والفعل، تتطلب حلاً غير تقليدي، ففي هذه الحالة يجب على القادة اتخاذ قرارات حتى عندما تشير البيانات إلى عكس ذلك.

لا يعني ذلك أن على القائد تجاهل البيانات، بل يجب عليه أن يدرك حدود البيانات التي يستخدمها عادةً في اتخاذ قرارات استثمارية استراتيجية، مثل حجم السوق ومعدلات النمو والحصة السوقية وهوامش الربح؛ فهذه البيانات تشرح ما تحقق بالفعل وليست تنبؤاً بما قد يحدث.

لا يمكن الاعتماد على التخمين أو الحدس البحت في عملية صنع الاستراتيجية، بل يجب على القائد البحث بطرق مدروسة عن رؤى جديدة تساعده على فهم الأمور وتحديد المسار وسط حالة عدم اليقين؛ هذا المقال يشرح ثلاث طرق لتحقيق ذلك.

1-  ابحث عن إشارات تحذير مبكرة للتغيير

أحد أسس برنامج التغيير الذي أطلقه ساتيا ناديلا في مايكروسوفت كان الانتقال من التركيز على المؤشرات المتأخرة مثل الإيرادات، إلى المؤشرات الرئيسية مثل صافي نقاط الترويج. فالمؤشرات المتأخرة تعكس قرارات اتُخذت في الماضي، بينما تشير المؤشرات الرئيسية إلى فرص أو تحديات مستقبلية.

بالإضافة إلى تحديد المؤشرات الرئيسية على لوحات المتابعة، يجب على المسؤولين التنفيذيين البحث عن إشارات تحذير مبكرة للتغيير في موقعين رئيسيين.

الموقع الأول هو العملاء؛ يجب عليك فهم كيفية تفكير العملاء الحاليين في الحلول الناشئة، والتركيز على الأخطاء الوشيكة؛ أي عندما يفكر العملاء في بدائل ولكنهم يرفضونها في النهاية. هذا التحليل ساعد الذراع الأسترالية لشركة كينغ آند وود ماليسونز (King & Wood Mallesons) القانونية على ملاحظة أن العملاء بدأوا يأخذون مزودي التقنية القانونية الجدد بجدية، مما دفع الشركة لتطوير قدراتها التقنية قبل أن يظهر ذلك في البيانات التقليدية.

يجب أن يقضي المسؤولون التنفيذيون وقتًا مع مجموعة متنوعة من العملاء، تشمل العملاء المخلصين التقليديين والعملاء الذين انتقلوا إلى حلول أخرى وأولئك الذين يواجهون تحديات كبيرة. على سبيل المثال، قامت إحدى شركات المشروبات بدراسة كيفية تصرف الجنود في درجات الحرارة الشديدة لاكتشاف حلول مبتكرة يمكن تطبيقها مثل إضافة أقراص مغذية إلى الماء أو تطوير تغليف جديد يحافظ على برودة المشروبات لفترات أطول.

الموقع الثاني هو الشركات الناشئة في نفس القطاع؛ يجب أن يكون المسؤولون التنفيذيون على دراية وثيقة بنشاط هذه الشركات. بالرغم من أن معظم الشركات الناشئة قد تفشل، إلا أن الانتباه للتغييرات المهمة يمكن اكتشافه مبكرًا. على سبيل المثال، عندما استثمرت مايكروسوفت في شركة أوبن أيه آي، كانت قادرة على متابعة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي عن كثب. لذلك، عليك تجاوز الشركات الناشئة المشهورة والبحث في الشركات التي لا تزال في وضع التخفي، أو زيارة مختبر جامعي لاكتشاف تقنيات المستقبل، مما يعزز حدسك في تحديد مسارك خلال حالة عدم اليقين.

2-   جَرّب المستقبل من اليوم

يقول كاتب الخيال العلمي ويليام غيبسون: “لقد وصل المستقبل بالفعل، لكنه لم يصل إلى الجميع بالتساوي”. لتجربة المستقبل اليوم، عليك اكتساب خبرة عملية في التقنيات الناشئة. في أحد المقررات التي في كلية تاك للأعمال (Tuck School of Business) التابعة لجامعة دارتموث  (Dartmouth College)، طلبت من الطلاب كتابة “تقرير من المستقبل”. يبدأ التقرير بتجربة بعض التقنيةت الناشئة مثل المركبات الذاتية القيادة أو العملات المشفرة أو التشخيص بالحمض النووي أو الرياضات الإلكترونية أو الطباعة الثلاثية الأبعاد، ثم التفكير في أكثر ما أدهشهم، وتخيل التطورات التي ستطرأ على هذه التقنية بعد 10 سنوات وأثرها على المؤسسات الحالية وفرص الشركات الناشئة. دائماً ما يُظهر هذا النشاط أن تجربة التقنية توفر معرفة أعمق بكثير من مجرد القراءة عنها.

3-   مارس التفكير الترابطي

منذ نحو 15 عاماً، قاد هال غريغرسن من معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) وجيف داير من جامعة بريغام يونغ (Brigham Young University) دراسة مهمة لتحديد سمات المبتكر الناجح. ومن النتائج الرئيسية التي توصلا إليها ولخصاها في كتاب “جينات المبتكر” (The Innovator’s DNA) (الذي شارك في تأليفه كلايتون كريستنسن)، أن المبتكر متفوق فيما يسمى “التفكير الترابطي”؛ أي أنه يربط بين مفهومين متباينين ظاهرياً ليبلور منهما فكرة جديدة. التفكير الترابطي هو أساس نجاح صناعة السينما في هوليوود، في كتاب صُنعت لتبقى” (Made to Stick)، يصف المؤلفان تشيب ودان هيث “خطاب هوليوود الترويجي” الذي يتضمن ركيزةً مألوفة ومنعطفاً مفاجئاً غير مسبوق؛ فعلى سبيل المثال روّج لفيلم سبيد” (Speed)  (إنتاج 1994) بأنه مثل فيلم “داي هارد” (Die Hard) ولكن على متن حافلة. هنا، فيلم داي هارد” هو الركيزة المألوفة لأنه كان ذائع الصيت، فجذب الاهتمام؛ أما “على متن حافلة” فهو الانعطاف المختلف، ونجح في إثارة فضول المستمعين.

خاتمة

في ظل ندرة البيانات حول ما يحمله المستقبل من تحديات وفرص، يواجه القادة صعوبة كبيرة في صياغة قرارات استراتيجية لنمو شركاتهم. ومع ذلك، يمكن تبني ثلاث استراتيجيات للحصول على رؤى ثاقبة تساعد على تجاوز حالة عدم اليقين:

1.    البحث عن إشارات تحذير مبكرة للتغيير: بدلاً من الاعتماد فقط على المؤشرات المتأخرة مثل الإيرادات، ينبغي للقادة التركيز على المؤشرات الرئيسية مثل صافي نقاط الترويج. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المسؤولين التنفيذيين قضاء وقت مع العملاء والشركات الناشئة لفهم الاتجاهات والتغيرات المستقبلية.

2.    تجربة المستقبل من اليوم: على القادة اكتساب خبرة عملية في التقنيات الناشئة بدلاً من الاكتفاء بقراءة عنها. هذه التجربة العملية توفر معرفة أعمق تساعد على استشراف المستقبل وفهم تأثير التقنيات الجديدة على المؤسسات الحالية وفرص الشركات الناشئة.

3.    ممارسة التفكير الترابطي: ربط بين مفاهيم مختلفة ظاهرياً للوصول إلى أفكار مبتكرة. هذا النوع من التفكير هو سمة رئيسية للمبتكرين الناجحين ويمكن أن يساعد القادة على بلورة استراتيجيات جديدة في ظل حالة عدم اليقين.

 

من خلال اتباع هذه الاستراتيجيات، يمكن للقادة اتخاذ قرارات مستنيرة تساعد على قيادة شركاتهم نحو النمو والابتكار، حتى في ظل ظروف عدم اليقين ونقص البيانات التقليدية.

AboutPSC Team